بنود الموقع
عضوية الموقع

احصائيات الموقع

عدد الزوار   
2512
عدد الصفحات   
56
عدد الزيارات   
815384


جديد الموقع: الفاضحة !!
جديد الموقع: عجبا رأيت !!
جديد الموقع: سَذاجَةُ فراشَة
جديد الموقع: عبرة لأولي النُّهى

مقالات

العاقبة بين مقاييس البشر وحكم القدر

.
نشر بتاريخ الأربعاء, 27 شباط/فبراير 2013 01:26

إن التفسير أو التقدير البشريين للأحداث والظروف مع أنهما يصيبان في كثير من الأحيان إلا أنهما سرعان ما يختلفان في أحيان أخرى مع التفسير أو التقدير الكونيين. إذ إن تقدير البشر مهما علا منطلق من علم قليل ضحل إذا ما قورن بمطلق العلوم وتمامها كما قال تعالى: )وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا(.

 

 

فعلم البشر ينبع من الحس البشري القاصر ومن ضوابط فكرية عقلية محدودة، زرعها سبحانه في أذهان هذا المخلوق الإنسي تكفيه لإدراك قَدْر مقدر من العلوم. وأما التقدير الكوني فمصدره علم الله الشامل الكامل التام المنزه عن كل نقص، ذلك العلم الذي يعتبر علم الإنسان أمامه كالعدم، قال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). وعلم الله محيط بالمحسوس وغير المحسوس، بعلم الشهود والغيوب، وهذا ما لا تدرك كنهه الثوابت الفكرية والمقاييس العقلية البشرية المودعة في هذا الإنسان، ومن هنا تبرز قيمة الإيمان بالغيب كعقيدة فعالة على أرض الواقع، ضرورية لهذا المخلوق القاصر، فتجعل من قلبه المكبل المأسور المهدد بحوادث وخطوب الأيام يتوقد أملا ويستشرف نصرا غاربا وفرجا غائبا عن عقله وقدرته، ثابتا في روعه وإيمانه ، مقدرا عند ربه، يأتيه من حيث لا يحتسب.. قدر لا يرى بحواىسه ما يشير إليه سوى وعدا وخبرا من العليم الخبير القدير:)وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ(.

ففي الوقت الذي يرى فيه المسلم أن الوهن ينخر عظام أمته فتزلزلهم الأحداث الجسام، وتلفهم البأساء وتغمرهم الضراء، فتترامى أشلاؤهم وأشلاء آمالهم في كل حدب وصوب، وتعجز الحواس البشرية عن رؤية بصيص النصر والأمل من خلال حجاب الواقع المشهود، ويظنون أنهم قد أحيط بهم، فينطلق التقدير البشري وتنطلق الثوابت العقلية والمقاييس الذهنية البشرية التي كلت من التنقيب عن النصر والفرج في واقعها، تنطلق لتقول استبطاء للفرج واستبعادا له: (مَتَى نَصْرُ اللَّهِ(؟.

إلا أن التقدير الكوني كان مخالفا تماما في تفسير الواقع وتقدير النتيجة. ففي الوقت الذي كان التفسير البشري للنكبات والبأساء والضراء أنها مزيد ضعف وذل وانكسار؛ كان التفسير الكوني أنها تأهيل العصبة المؤمنة الثابتة لحمل أمانة الله الغالية المتمثلة بالتمكين والاستخلاف في الأرض. وفي الوقت الذي غابت فيه ملامح النصر عن التقدير البشري كان في التقدير الكوني أقرب ما يكون منهم، إذ يجيب سبحانه سؤالهم الحائر بقوله: )أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ(!! ثم يصحح سبحانه المقياس البشري الخاطئ فيقول: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ(.

ولنا مثل في يونس ـ عليه السلام ـ عندما نفر من قومه بسبب عنادهم وكفرهم، وتركهم مغاضبا لهم، وسافر في السفينة فالتقمه الحوت ليستقر في بطنه، كانت الثوابت العقلية البشرية والتقدير البشري يحكم بموته وهضمه ورحيله إلى عالم الآخرة، واستمرار قومه على الكفر ليحق عليهم عذابه سبحانه، بينما كان التقدير الكوني على عكس ذلك تماما. إذ أمر سبحانه الحوت بألا يهضم رسول الله وليجأر هذا الداعية في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبا إلى ربه إذ ترك قومه بغير إذن منه سبحانه، وليقذفه الحوت في البر فيعود إلى قومه فيجدهم قد آمنوا بالله بعد فراقه، فينعم مع قومه بخير الدنيا والآخرة وقال الله فيهم: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).

وعندما ترامى إلى سمع الجبار فرعون بأن رجلا من بني إسرائيل سيسلب منه ملكه ويرثه من بعده، وأراد فرعون البشر أن يتحدى القدر، فكّر وقدر، ثم مكر، فأخذ يقتل الذكور من بني إسرائيل سنة ويتركهم سنة، فمكر سبحانه وتعالى له مكرا يليق بمكره ليمرغ أنف كبريائه وعتوه، وليلقنه درسا بالقدر يبقى عبرة لكل من طغى وتجبر، وإمعانا بالتحدي قدّر سبحانه ولادة موسى ـ عليه السلام ـ في نفس السنة التي يقتل فيها الذكور استخفافا بكيد فرعون، ولمزيد من التحدي والاستخفاف بالخصم ساق الله موسى ـ عليه السلام ـ إلى بيت فرعون ليكون أقرب ما يكون من بطشه. عندها كان في تقدير البشر أن موسى ـ عليه السلام ـ انتهى لينتصر تقدير البشر على القدر، فكادت أمه أن تصرخ : (وا إبناه) خوفا على وليدها وهو في يد الطاغية فرعون لولا أن ربط سبحانه على قلبها لتكون من الموقنين بالقدر.

ثم يتابع قدر الله جولاته في تحدي الطاغية فرعون فيعزف عن قتل موسى. وإمعانا في تحدي القدر لفرعون، يتربى موسى في حضن خصمه، وتحت رعايته وماله إلى أن يقوى عوده، وما أن يحين الوقت الموعود والقدر المقدور إلا وقد ابتلع البحر فرعون الجبار وجنوده إعلانا لعجز البشر عن تحدي القدر.

وعندما أراد فرعون العرب (أبو جهل) أن يتحدى القدر بقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحاطت فرسان القبائل بسيوفهم بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ما بقي في تقدير البشر من حياة الداعية ودعوته إلا أن يخرج من باب بيته لتتخطفه السيوف المحيطة به ويضيع دمه بين القبائل، في هذا الظرف الحرج الذي وصل فيه حال الداعية إلى أقصى درجاته من الضعف والهوان يكون التقدير الكوني أن انتصار الداعية ودعوته وقيام دولة الإسلام تحت قيادته بعد عشرة أيام فقط هي  مسافة الطريق إلى المدينة المنورة بعد أن نجاه سبحانه من كيد الكائدين، لينتصر  حكم القدر ويبطل تقدير البشر.

وقد لفت سبحانه نظر المؤمنين به إلى الإيمان بقدره وجعله من أركان الإيمان التي لا يقبل إسلام المرء بغيره ليتعاضد تقدير البشر بالإيمان بالقدر، وليكون من تمتع بهما رجلا لا تطفئ الصعاب والنكبات آماله، ومهما طال عليه انتظار الفرج والظفر لا يصيبه الإحباط والذبول ، كمثل يونس ـ عليه السلام ـ الذي صار في بطن الحوت إلا أن إيمانه بالقدر ما أفقده الأمل بفرج منه سبحانه ونصر وتمكين.

وقد رسم سبحانه هذه المفارقة في كونه الفسيح، فترى أن الليل يشتد ويحلك فإذا ما بلغ أقتم شيء كان أقرب ما يكون من الفجر الذي يبدد ظلامه. وقد أكد سبحانه ذكر الفارق بين تقدير البشر وحكم القدر في أكثر من مكان في كتابه المجيد فقال: )وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(. )فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(. (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً(

ثم نص سبحانه أنه خص نفسه بامتلاك نتائج الأسباب وثمارها فقال: )وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(. فالعاقل الذكي من بذل الأسباب ثم طلب النصر والعاقبة من المالك الحقيقي لذلك، والتائه الخاسر من ضل سعيه في طلبها وانتظارها من البشر.

1988م

أضف تعليق

نص اتفاقية التعليق


كود امني
تحديث



المرئيات

الصوتيات

ألبوم الصور

تداعت عليكم الأمم